لم تغب الحكايا في زحلة عن بطولات سطّرها الكاثوليك دفاعاً عن المدينة. واجهوا التحديات في كل المراحل، وخاضوا حروباً في القرون الماضية، لمنع تغيير هوية عروس البقاع، وثبّتوها عاصمة للكثلكة في الشرق. حافظ "الزحالنة" على خصوصية مدينتهم، ولم يسمحوا بتغيير الموازين فيها، ولا بفرض قرار سياسي عليهم من خارجها، ولا تقبّلوا أن يمثّل الكاثوليك تحديداً نواب من خارج المدينة. تلك ليست عنصرية، بل خصوصية لا يعرف خباياها الاّ الزحليون. لا يحبّذ أهالي المدينة أن يقصدوا زعيماً أو نائباً خارجها. هم روّاد في السياسة والقانون والشعر والأدب والحياة الإجتماعية، لا يحبّذون ان تفرض الأحزاب والقوى عليهم نواباً وفاعليات ومسؤولين من خارج عروس البقاع. وهل ينقص زحلة كفاءات؟ أو قدرات؟ هذا ما يسأله الزحليون. تتوارث الأجيال هذا المبدأ. تعتبره ثقافة الولاء للمدينة، وإعترافاً بقدرة أبنائها. متى ذهب المقعد النيابي الكاثوليكي تحديداً الى خارج المدينة، تفقد زحلة قدرتها وطابعها وخصوصية تميّزها.
في هذه الدورة الانتخابية، يتسابق لتمثيل الكاثوليك في زحلة مرشحين من خارجها. يبرز اسما مرشحي "القوات" جورج عقيص، والتيار "الوطني الحر" ميشال ضاهر. الأول حزبي يعتمد على القاعدة القواتية، والثاني رجل أعمال يستند الى دعم "الوطني الحر"له. تدور حول عقيص علامات استفهام حول تركه السلك القضائي، وسفره، ثم عودته ومحاولته العودة الى القضاء دون جدوى. في كل خطاباته يقضي الوقت متحدثاً عن نفسه، وعن قرار رئيس حزب "القوات" سمير جعجع بدعمه. يبدو أن ثمة من تبنّاه داخل معراب وأقنع "الحكيم" بترشيحه، رغم المخاطرة التي أقدمت عليها "القوات"بفرضه من خارج زحلة على "عروس البقاع". تدور أحاديث في زحلة عن عدم انسجامه التاريخي مع "القوات". كان عقيص يوالي أحزاباً أخرى. ربما وجد في "القوات" مصلحة تظهّرت بالترشح الى الانتخابات مدعوماً من الأمينة العامة للحزب شانتال سركيس التي زرات زحلة مرات عدة لتسويقه ودعمه قبل أن تحضر حفل اعلان ترشّحه. يشعر "القواتيون" في زحلة بالخيبة جرّاء عدم ترشيح أحد أبناء المدينة "القواتيين" للمقعد الكاثوليكي. يشيرون الى المرشح الكاثوليكي الثاني على لائحة "زحلة قضيتنا"ميشال فتوش، بإعتباره "اداة لزكزكة"النائب نقولا فتوش. لا ينوي محازبو "القوات" الإقتراع لميشال فتّوش. تمّ اعتماده "كديكور وواجهة شكلية للائحة". هذا ما يردده "القواتيون"في جلساتهم. يتحدثون عن رغبة ميشال فتوش بفرض نفسه مرشحاً.
دوافعه عائلية وشخصية. يستحضرون خطابه يوم اعلان اللائحة، "حيث بدا يقلّد هتلر"في صوته ونبرته وحركة يديه. يضحك "القواتيون" طويلاً في غيبته، لكن ضحكتهم لا تخفي انزعاجهم من ترشيح معراب لواحد كاثوليكي من خارج المدينة، وآخر لا وزن له في زحلة، و"لا يمون على أشقّائه وأعمامه الداعمين لنقولا فتوش".
في صفوف "العونيين"الإنزعاج أكبر. ما الذي يجري؟ ترشيح ضاهر خطوة تفوق خطورة ترشيح "القوات" لعقيص. فالأخير تشفع له حزبيته نسبياً، لكن ما الذي يشفع لضاهر؟ الرجل الآتي من عالم رجال الأعمال الى السياسة يحاول قضم الأصوات العونية من أمام المرشح "العوني" النائب سليم عون. فالاخير لا يملك مالاً ليواجه به "ديناصورات مالية" في زحلة. لكن عون يملك تاريخاً نضالياً حافلاً في السياسة منذ مواجهة الاحتلال السوري. يردد "الزحالنة"في جلساتهم كلاماً حول محاولة ضاهر "سحب الأصوات من أمام زملائه في اللائحة". في الشكل يوحي أنه يستند الى دعم بلدته الفرزل، لكن لا قدرة له على اقناع أهاليها بإنتخابه. جيرانه في أبلح يسألون: ما هي مقومات ضاهر؟ في بلدات "الشرقي"، لا حيثية له. لكنه عمّم كلاماً أمام أصحاب الكسّارات أنه هو من فرض صدور قرار بفتحها. يحاول ضاهر ان يسوّق نفسه نائباً كاثوليكياً عن زحلة، والحديث عن وضع "رؤية وطن"، لكن أهالي عروس البقاع ينحازون لأسباب تاريخية ومبدئية الى جانب مرشحي المدينة عن المقعد الكاثوليكي. حجّتهم أن مدينتهم هي عاصمة الكثلكة، "وهل يُعقل أن تستورد نوّابها من خارجها"؟ لا يقبل "الزحالنة" يوماً بأن يتحوّل ذلك الى عُرف. لا تنقصهم الكفاءات. لا تنطلي عليهم لعبة "الديكور". سقطت الاحزاب في تلك اللعبة: مرشحا "القوات" عقيص، و"الوطني الحر" ضاهر عن المقعدين الكاثوليكيين من خارج زحلة، والإثنين الآخرين عن المقعدين نفسيهما ميشال فتوش وميشال سكاف يُصنفان في زحلة بأنهما "ديكور في اللائحتين"لإستخدام كنيتيهما في عداد اللوائح. كما يُستخدم الأخيران لمحاربة نقولا فتوش.
ينحاز الكاثوليك في زحلة الى أبناء المدينة، ويبدو نقولا فتوش المستفيد الأول في هذا المعيار. هو رفع شعاراً داخل مدينته "زحلاوي أباً عن جد". للشعار وقعه في نفوس وذاكرة وعقول الزحليين. خصوصاً أن فتوش مشرّع من الطراز الأول، ورجل خدمات، وبيته مفتوح. تلك صفات تتردد في زحلة، ولا يستطيع احد انكارها.